هذه حكاية أول بطولة وطنية بعد الاستقلال
لعل الكثيرين يجهلون تركيبة أول بطولة في تاريخ الجزائر المستقلة، وهوية الفرق التي كانت تكون منها، واسم الفريق الذي كان له شرف انتزاع أول لقب بعد الاستقلال، ذلك ما سنتعرف عليه في هذا الموسم بمناسبة انطلاقة البطولة الوطنية أول أمس، بمشاركة، كما نعرف جميعا، 18 فريقا، حيث سيتنافس، كما ذكرنا في عدد الخميس الأخير، في 34 جولة بعدد من المباريات يقدَّر ب 306 لقاء، من أجل هدف واحد، وهو انتزاع اللقب الذي يوجد في حوزة الوفاق· لو عدنا 47 سنة إلى الوراء لن نجد هناك بطولة وطنية، فالبطولة التي أعطيت إشارة انطلاقتها بعد أشهر قليلة من الاستقلال كانت بطولة جهوية، والبداية الحقيقية للبطولة الوطنية كانت في موسم 1963/،1964 حيث تم تشكيلها، وتنافس من أجل اللقب الوطني 16 فريقا·من تأسيس الاتحادية إلى تأسيس البطولة فور انتخاب الدكتور محمد معوش على رأس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم في 21 أكتوبر 1962 وانضمام الجزائر إلى المحافل الرياضية الدولية، تم تأسيس البطولة· وبما أن هذه البطولة الأولى التي أعقبت الاستقلال تم دمج جميع الأندية التي أعلنت انخراطها في مستوى واحد، وتم تقسيم الأندية على أربع مجموعات وفق التقسيم الجغرافي (المجموعة الشرقية والمجموعة الوسطى الشرقية والمجموعة الوسطى الغربية والمجموعة الغربية)· ونظرا لقلة عدد الأندية والظروف الصعبة التي كانت عليها الجزائر في تلك الفترة، نظرا لما ورثتها من الاستعمار الفرنسي الغاشم، استحال على العديد من النوادي التي كانت قبل الاستقلال تشكل قطب الكرة الوطنية، لكن سرعان ما استعادت هذه الأندية أنفاسها في الموسم الموالي، ودخلت معترك البطولة ولو من الأقسام الدنيا·ومن بين أهم الفرق التي شاركت في أول بطولة في تاريخ الجزائر المستقلة نخص بالذكر الجارين مولودية العاصمة واتحاد العاصمة وشباب بلوزداد وأولمبي العناصر· وعلى ذكر هذا الفريق فقد تمكن من سحق مستضيفه شباب بئر التوتة بنتيجة لا تقبل أي جدل ،018 وظلت هذه النتيجة صامدة لأكثر من ثلاثين سنة· وإضافة إلى الفرق الثلاثة سالفة الذكر نسجل مشاركة أندية اتحاد عنابة ووفاق سطيف ومولودية قسنطينة واتحاد خنشلة وشباب صخر سيرتا قسنطينة من الشرق، واتحاد حجوط وأمل الأربعاء وشباب برج منايل وصفاء الخميس ووداد بوفاريك واتحاد البليدة من الوسط، ومديوني وهران ووداد تلمسان واتحاد بلعباس وترجي مستغانم وجمعية وهران ومولودية وهران ومديوني وهران من الغرب· هكذا لُعبت أول بطولة في تاريخ الجزائر المستقلةكما سبق الذكر، بعد انتهاء المهلة التي منحتها الاتحادية إلى جميع الأندية من أجل انخراطها في الاتحادية، للمشاركة في أول بطولة، والتي كانت جهوية ضمت أربعة مجموعات، لعبت أول جولة في مطلع شهر نوفمبر· وقبل ذلك كانت هذه الأندية على موعد مع مباريات الدور الأول لكأس الجزائر، الأمر الذي جعل من هذا الدور بالنسبة للعديد من الأندية معيارا حقيقيا لمعرفة مدى قدرة كل فريق على مسايرة ريتم البطولة، على غرار ما هو سائر اليوم· لعبت أول بطولة في تاريخ الجزائر المستقلة ذهابا وإيابا على أن يتأهل بطل كل مجموعة إلى المرحلة النهائية، التي لعبت على شكل دورة مصغرة من أجل تحديد هوية المتوَّج بأول لقب وطني في تاريخ الجزائر المستقلة· جاءت العديد من المباريات غريبة الأطوار بخصوص نتائجها، بسبب تباين مستوى الفرق التي كانت تشكل البطولة، خاصة إذا علمنا أنه لم تكن هناك مقاييس من أجل وضع كل فريق، كون هذه البطولة جاءت مباشرة بعد الاستقلال فكان لزاما أن يتم دمج جميع الأندية في مستوى واحد، وبعدها يتم وضع كل فريق وفق الأقسام الذي تم إنشاؤها·في ظل النتائج الساحقة التي كانت تفوز بها الأندية الكبيرة كمولودية الجزائر واتحاد الجزائر واتحاد عنابة ومديوني وهران، انعكست على السير الحسن لبطولة، فعدم وجود توازن حقيقي في كل مجموعة، تجلى واضحا أن الأندية التي كانت تلعب الأدوار الطلائعية إبان الاحتلال الفرنسي، والتي كانت تمثل الجزائر المحتلة في كأس اتحاد شمال إفريقيا كالمولودية والاتحاد والمديوني واتحاد البليدة واتحاد عنابة، وهي الأندية التي ظلت محافظة على مراكزها الأولى إلى غاية الجولات الأخيرة، حيث أفرزت تأهل كل من اتحاد العاصمة ومولودية العاصمة واتحاد عنابة ومديوني وهران إلى المرحلة الأخيرة، فيما تم تقسيم بقية الفرق وفق المرتبة التي أنهت بها البطولة· الدورة لتحديد هوية البطللم تجد أندية اتحاد عنابة عن المجموعة الشرقية ومولودية العاصمة عن المجموعة الوسطى الشرقية واتحاد العاصمة عن المجموعة الوسطى الغربية ومديوني وهران عن المجموعة الغربية، أدنى صعوبة في كسب لقب كل مجموعة بسبب العناصر اللامعة التي كانت تزخر بها كل تشكيلة، ضف إلى ذلك أن كل تشكيلة كانت مدعمة بالعديد من اللاعبين الذين لعبوا لمنتخب جبهة التحرير الوطني، فمثلا بوحيزب كان يلعب لفريق مديوني وهران، والحارس الشهير العقبي لاتحاد العاصمة· الدورة الرباعية لعبت في شهر جوان ،1963 ففي مباراة محلية خالصة بين الجارين اللدودين الاتحاد والمولودية وجد لاعبو الاتحاد بقيادة برناوي وكريمو ومزياني صعوبات كبيرة في قهر لاعبي المولودية، حيث تمكن زملاء مزياني من هز شباك المولودية مرتين مقابل مرة واحدة لفريق المولودية، وهي ثاني هزيمة يُلحقها الاتحاد بالمولودية بعد تلك التي فاز بها بثلاثة أهداف دون رد· لم يهضم أنصار المولودية هزيمة فريقهم الثانية أمام الاتحاد، حيث أثأرت سخرية وعشاق المولودية، وكادت أن تحدث مناوشات بين أنصار الفريق واللاعبين، حين لجأ المئات من عشاق المولودية إلى منع لاعبي فريقهم من الخروج من الملعب، الأمر الذي اضطر رجال الأمن إلى التدخل·اللقاء الثاني الذي جمع بين اتحاد عنابة ومديوني وهران انتهى لمصلحة الفريق الأول بنتيجة 3/،1 وبذلك تصدّر فريقي الاتحاد العاصمي والعنابي الريادة·الجولة الثانية جاءت لمصلحة اتحاد العاصمة الذي تمكن من قهر اتحاد عنابة فيما انتهت مواجهة المولودية والمديوني بالتعادل، الأمر الذي جعل اتحاد العاصمة قاب قوسين أو أدنى من معانقة اللقب الوطني الأول في تاريخ الجزائر المستقلة، فجاءت مباراته الأخيرة أمام مديوني وهران تحصيلا حاصلا كما يقال، وانتهت بفوز الاتحاد بهدفين لواحد· وبنفس النتيجة فاز اتحاد عنابة على مولودية العاصمة، اتحاد العاصمة أول فريق يتوَّج باللقب الوطنيبرز في فريق الاتحاد لاعبون ممتازون كانوا يلعبون في الملعب العاصمي، وهو أحد الفرق الذي كان ينشط إبان الحقبة الاستعمارية، نخص بالذكر كلا من برناوي وصالح وبلبكري ومدني وزمور، وهي العناصر التي كانت قد تقدمت بطلب للانضمام إلى فريق المولودية لكن طلبهم قوبل بالرفض، الأمر الذي أثار استياءهم، فقرروا الالتحاق بالجار الاتحاد، حيث وجدوا كل العناية والترحاب من طرف مسيّري هذا الفريق·وبعد التحاق اللاعبين سالف ذكرهم دعم فريق الاتحاد صفوفه بلاعبين أكثرة قوة وشهرة، أبرزهم اللاعبون المرحومون بن تيفور والعقبي، هذا الأخير كان محترفا مع نادي لوزان السويسري، فيما كان الثاني محترفا بنادي ري ستار الفرنسي·أما تشكيلة اتحاد العاصمة المتوجة بأول بطولة وطنية بعد الاستقلال فكانت تتشكل من العناصر التالية: العقبي، ومدني وعفطوش وجمعة وصالح وكريمو وبن تيفور ومزياني· وكان يشرف على تدريب الفريق المدرب القدير بلامين· وبذلك يسدَل الستار عن أول بطولة في تاريخ الجزائر، انتزع لقبها اتحاد العاصمة· أما آخر من فاز بها هو وفاق سطيف، وهو الفريق الذي يُعد المرشح الأول للاحتفاظ بتاج البطولة رغم أنه دشن الموسم بتعادل هدفا لمثله أمام جمعية الخروب لكن خارج ميدانه·
كريم مادي